إلى أي حد ينسجم الإطار القانوني المنظم للممارسة الإكلينيكية مع واقع عمل الأخصائيين النفسيين في المغرب؟

 



تعيش الممارسة الإكلينيكية في المغرب مفارقة واضحة بين إطار قانوني ما يزال في مرحلة التبلور، وبين واقع مهني يعرف توسعا متسارعا وإقبالا متزايدا على خدمات الدعم النفسي. ورغم الجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة لوضع أسس قانونية واضحة لمهن الصحة النفسية، إلا أن الفجوة بين النصوص القانونية والممارسة الميدانية ما تزال قائمة، مما يطرح سؤال الانسجام بين القانون والواقع العملي.



1. تأخر الإطار القانوني وتعدد المرجعيات التنظيمية


لا تزال الممارسة الإكلينيكية تفتقر إلى قانون شامل يحدد بدقة شروط ولوج المهنة، والمسؤوليات المهنية، ومجالات التدخل. ورغم وجود مشاريع قوانين قيد النقاش، إلا أن غياب نصوص نهائية ومكتملة يجعل العديد من الممارسين يشتغلون ضمن إطار تنظيمي غير موحد، يعتمد على مذكرات وتوجيهات إدارية أكثر مما يعتمد على قانون مستقر ومفصل.


2. غياب مسار موحد للتكوين والتخصص


من التحديات المطروحة تفاوت التكوين الأكاديمي والمهني للأخصائيين النفسيين. فعلى الرغم من توفر مسالك متنوعة في الجامعات المغربية، إلا أن الممارسة الإكلينيكية تتطلب تكوينا معمقا وتدريبا ميدانيا منتظما يختلف من مؤسسة لأخرى. هذا التفاوت يؤثر على توحيد الكفاءة المهنية ويبرز الحاجة إلى إطار واضح يحدد شروط التخصص والإشراف السريري ومعايير التدريب داخل المؤسسات الصحية.


3. فجوة بين الطلب الاجتماعي والإطار القانوني


يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في الطلب على الخدمات النفسية، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 التي زادت من الوعي بأهمية الصحة النفسية. إلا أن هذا الطلب المتزايد يواجه واقعا قانونيا غير مضبوط، ما يدفع عددا من الممارسين إلى العمل داخل عيادات أو مؤسسات اجتماعية دون وضوح تام حول وضعيتهم المهنية أو شروط ممارستهم، مما يبرز ضرورة التعجيل بإطار قانوني يضمن الممارسة الآمنة والمنظمة.


4. غياب التمييز القانوني بين المهن النفسية


تطرح الساحة المهنية إشكالا آخر يتمثل في عدم التمييز بين مختلف المهن النفسية مثل:


الأخصائي النفسي الإكلينيكي،

المعالج النفسي،

المرشد النفسي،

الباحث في علم النفس.


هذا الخلط المفاهيمي يؤدي أحيانا إلى سوء فهم لدى المستفيدين والمؤسسات المشغلة، ويجعل بعض الممارسات تتجاوز حدود الاختصاص، مما يعزز الحاجة إلى تعريفات قانونية دقيقة لكل مهنة.


5. آفاق الإصلاح القانوني


تشير النقاشات الرسمية إلى وجود توجه نحو إقرار إطار قانوني شامل ينظم المهن النفسية، ويهدف إلى حماية المهنة من الممارسات غير المؤطرة، وضمان جودة التكوين، وتنظيم فتح العيادات الخاصة، وتعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين في المجال الصحي. غير أن نجاح هذا الإطار المرتقب يبقى رهينا بإشراك الجامعات وخبراء علم النفس والمهنيين لضمان قانون يعكس فعلا حاجيات الميدان.


في الختام، يتبين من خلال استقراء الوضع أن الإطار القانوني الحالي للممارسة الإكلينيكية في المغرب ما يزال يحتاج إلى مزيد من الدقة والتنظيم حتى ينسجم مع التحولات التي يعرفها القطاع. فالممارسون يواجهون مسؤوليات مهنية كبيرة في ظل غياب تقنين شامل يحميهم ويحمي المستفيدين. ويظل إصدار قانون واضح ومتكامل خطوة ضرورية لتعزيز جودة الخدمات النفسية وترسيخ مهنة الأخصائي النفسي داخل المنظومة الصحية الوطنية.


المصطفى توفيق 

15 نونبر 2025

Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)


👇